السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم.. قصة رائعة حين قرأتها جذبتني .... وكانت خاتمتها الرائعة بصناعة الرجال التي تساوي كل كنوز الدنيا ... أرجو لكم قراءة ممتعه ومفيده .... مصانع الرجولة آثر (فروخ) أن يستقر بعد أن صحب سيّده أمير خراسان في معاركه، اشترى بيتاً وتزوج مكتفياً بالعيش على ما بقي لديه من مال الغنائم، لكن حنينه إلى غبار المعارك ورايات النصر وصليل السيوف، لا يزال يداعب شغاف قلبه. انتهز يوماً نداء خطيب المسجد النبوي، يحض الناس على الجهاد، أعلن عن عزيمته وودَّع زوجته التي بادرته قائلة: ولمن تتركنا يرحمك الله أنا وجنيني هنا ؟ فقال لها: لله ورسوله، لديك ما جمعته من الغنائم، أنفقي منها حتى أعود أو أرزق الشهادة. وضعت الزوجة مولودها، مليح الوجه وضَّاء الجبين، وسمته ( ربيعة )، بدت على مخايل الطفل علامات الذكاء فقررت الأم أن تسلم طفلها للمؤدبين، حفظ الفتى كتاب الله وأحاديث رسوله وكلما رأت الأم تفوّق ابنها أغدقت على المعلمين المال، لكن الحسرة تشعل القلب وهي ترى الأيام تُباعد بينها وبين زوجها الذي طالت غربته فقيل إنه أسير مرة، وشهيد أخرى فاحتسبته عند الله• يواصل ( ربيعة ) علمه، مقبلاً على حلقات العلم في مسجد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومازال الطالب يجتهد وذكره يرتفع حتى أصبحت له حلقة يُدرِّس فيها• في ليلة صيف عليلة النسمات، دخل المدينة فارس يلملم بقايا عقده السادس، في عينيه تساؤل وفي نظراته بحث، يُحدِّث نفسه: هل بقيت داره قائمة بعد هذا الغياب؟ ماذا حلَّ بالزوجة! هل وضعت مولودها أم حدث لهم من أحداث الزمان حادث!! ثلاثون عاماً كافية لتغيير الملامح والمشاعر والمعالم. الوقت مازال مبكراً، بقايا المصلين من صلاة العشاء يغادرون المسجد النبوي وتزدحم بهم الطرقات، لماذا يمر الناس به ولا يلتفتون؟ هل نسيه الناس بهذه السرعة؟ يسير الشيخ، يجتر أفكاره، سارحاً مع خيالاته حتى وجد نفسه أمام داره... دق قلبه شوقاً ورهبة من مفاجأة اللقاء. دخل من باب بيته الموارب، يدفعه شوق عارم لملاقاة الأهل. عندما سمع صاحب البيت صرير الباب، أطلَّ من نافذته، هاله أن يرى غريباً يجوس في صحن الدار، ركبه الغضب وتقدم من الشيخ ممسكاً بتلابيبه. أتقتحم عليَّ منزلي يا عدوَّ الله؟ علا صياحهما، واجتمع الجيران. قال فروخ: ما أنا بعدو الله، هوِّن عليك إنما هذا بيتي، استدار يحدِّث الناس من حوله، هذا بيتي يا قوم، اشتريته بمالي، ألا تعرفونني!! أنا (فرّوخ)هل نسيتم فروخاً. استيقظت الأم، أطلت فرأت زوجها، أمعقول ما أُشاهد وأرى؟! هالتها المفاجأة، هل أنا في حلم؟ عقدت الدهشة لسانها وما لبثت أن نادت ابنها بصوت مرتجف. دعه يا ربيعة، إنه أبوك يا ولدي وحذار يا عبد الرحمن أن تمسه بسوء، إن من يقف أمامك ابنك. أقبل الولد على أبيه والوالد على ابنه يضم أحدهما الآخر ويقبّله ونزلت ( أم ربيعة ) تسلم على ما احتسبته عند الله شهيداً لانقطاع أخباره. التمَّ شمل الأسرة، شمل الفرح الوالد والولد، ولم يشمل ( أم ربيعة ) إذ كيف تفسر لزوجها ضياع أمواله وكيف تبرر له ذلك؟ هل يصدقها أم تذهب به الظنون بعيداً؟! قطع فروّخ على زوجته شرودها قائلاً: جئتك بأربعة آلاف درهم، هات ما لديك حتى نضيف إليه هذا المبلغ ولنبحث لنا عن بستان نشتريه ونعتاش من غلته ما بقي لنا من عمر. لكن الزوجة تشاغلت عن سؤال زوجها ولاذت بالصمت. كرر ( فرّوخ ) طلبه: أين المال يا أم ربيعة! هاتيه نضمه لبعضه بعضاً. ردت أم ربيعة بارتباك: في مكان آمن، سآتيك به بعد أيام إن شاء الله. علا صوت المؤذن، نهض ( فرّوخ ) يتوضأ، سأل عن ابنه فأجيب سبقك إلى المسجد. وصل ( فرّوخ) إلى المسجد، وجد الصلاة انتهت، صلى المكتوبة، وبعض النوافل قبل أن يغادر المسجد. استوقف ( فرّوخ ) في طريقه مجلساً للعلم في صحن المسجد لم ير له مثيلاً. رأى الناسيتحلّقون حول الشيخ منصتين. حاول أن يتعرف إلى صاحب الحلقة فلم يستطع لبعده عنه، وما لبث أن أنهى الشيخ درسه ونهض الناس يتدافعون من حوله، يوصلونه خارج المسجد، فما كان من ( فرّوخ ) إلا أن استوقف أحدهم يسأله: من الشيخ أيها الأخ؟! رد الرجل مستغرباً: ألا تعرف صاحب الحلقة؟ ألست من أهل المدينة يا هذا؟ قال فروخ: بلى من أهلها ولكني غادرتها من زمان بعيد. قال الرجل: لا بأس عليك إذاً، إنه أحد سادات التابعين، فقيه المدينة ومحدِّثها، ومن تلاميذه مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان، و... قال فروخ: لكنك لم تقل لي من يكون الشيخ. قال الرجل: إنه ربيعة الرأي. فروخ: ربيعة الرأي؟!!! الرجل: نعم، اسمه ربيعة، وكناه علماء المدينة بربيعة الرأي لسداد رأيه. فروخ: انسبه لي يرحمك الله فقد شوقتني... الرجل: إنه ربيعة بن ( فرّوخ ) المكنى بأبي عبد الرحمن، ولد بعد أن ذهب والده للجهاد وعمدت أمه تعليمه وتربيته. فاضت عيون ( فرّوخ ) شكراً وفرحاً وتدحرجت دمعتان ساخنتان على خديه ثم انطلق مسرعاً تجاه بيته لا يلوي... استقبلته زوجته وبقايا الدموع مازالت عالقة في عينيه، تسأله مدهوشة: مابك يا أبا عبد الرحمن، أحدث مكروه لا قدّر الله؟ خيراً؟!! فروخ: خيراً والحمد لله، لقد شاهدت ولدنا في مقام لم أحلم أن أراه به وهذه الدموع دموع فرح والحمد لله رب العالمين. هنا أضاءت عيون أم ربيعة وقالت باسمة: أيهما أحب إليك يا أبا ربيعة: الدراهم، أما ما رأيت عليه ولدنا ؟ رد فرّوخ بلا تردد: ما رأيت عليه ولدنا يعدل كل أموال الدنيا. قالت أم ربيعة: لقد أنفقت المال على ما رأيت فهل طابت نفسك؟ قال فروخ: نعم، والحمد لله على أن رزقني زوجة تحرص على العلم وتربي أولادها عليه، هكذا تكون الأمهات، وجزاك الله خيراً يا أمة الله.